علي بن كرمان الرجل الفقير البسيط صاحب اللزمة العفوية " لا علمني " , الذي تخلى عنه كل من حوله عندما كان يقطن في غرفته المترهلة في " سبت الجارة " بمحافظة القنفذة.
كان الجميع يفر منه لفقره وسوء حالته . ذلك الرجل السبعيني عندما شاء الله وشاءت الأقدار خرج لعالم الشهرة , وأصبح الشهير الذي يشار إليه بالبنان , في الإعلام , وفي الشعر , الكل الآن يرغب أن يصل إلى مزيدًا من الأضواء بعد أن يقتبس من ضوء " العم علي" ...حتى الذين كانوا ينبذونه , الآن أصبحوا يتهافتون كالفراش حول ذلك "الإتريك" البسيط , بل حول ذلك النجم الساطع .
مالفت نظري في بن كرمان ; عندما يُسأل عن حالته المادية السيئة قبل الشهرة كان ينهي إجابته بقوله : " اللهم لك الحمد .. " . حمد الله فأعطاه , وجعل اسمه وسيرته تجول في الأفق السعودية , وربما في الأفق العربية بأكملها.
قصة دموعه وشهقاته , تلك حكاية أخرى من الأحاسيس المتقدة , الصادقة التي لا يستطيع إخفاءها ... عندما يمر ذكر صديقه ( محمد الشريف ).
صديقه الحديث عهد به , لم يمر على صداقتهما إلا بضع شهور , لكن عندما نشاهد دموع العم علي نشعر بأنه صداقة امتدت لعشرات السنين ..
لماذا ؟ .. لأن الصداقة بالأفعال وليست بالأقوال ولا بالمدة .
محمد الشريف الشاب الذي أخرج من خلف قضبان فقره وألمه ووحدته وضيق عيشه , لمساحات شاسعة من الحرية والسعادة والإنطلاق في مضمار حب الناس.
تذكرتُ قول الشاعر :
أحسن إلى الناس تستعبد قلوبَهُم
..........فطالما استعبدَ الإنسانَ إحسانُ
لستُ أوافق الشاعر تماما في التعبير لكن أقول :
أحسن إلى الناس ( تستلطف ) قلوبهمُ
... فطالما ( استلطف ) الإنسانَ إحسانُ
الإحسان هو الفضيلة الوحيدة التي تستطيع من خلالها امتلاك أحاسيس البشر , مهما كانوا . حتى ولو كانوا ذو قسوة . وليس البشر فقط , فبالإحسان تستطيع امتلاك أحاسيس الحيوانات أيضا .
يقول بن كرمان : " محمد روحي " , "محمد ثمر قلبي" , كلمات حب نابعة من قلب صادق يعترف بالجميل , كان ينكس رأسه ويضع يده على عينيه ليمسح دمعاته , ليس ضعفا , ليس هناك رجل في السبعين من عمره يضعف أمام هذه المواقف , لأنه لم يعد يهتم بمثل هذا , لكنه الإحسان الذي جعله يؤمن بأن الدموع هي السبيل الوحيد للتعبير عن ماتكنه نفسه لصديقه الشريف .
أحسنت يامحمد - مهما قيل بأنك تبحث عن مصلحة شخصية - إخراجك لهذا العجوز البسيط من دائرة الفقر والحاجة , ومنحه مساحة شاسعة من حب الناس , والشهرة اللذيذة , هذه وحدها كفيلة بنشر رايتك الناصعة على رؤوس الأشهاد.
27/11/2018 09:27 pm 1,360