وبالطبع هناك كثير من المقالات في الإعلام الغربي التي كتبت مؤخراً ناقشت المخاوف والمخاطر من شراء أسهم في «أرامكو» السعودية. وبالنسبة للسعوديين، لا توجد أي مخاطر لأن مصير الشركة هو مصير البلد بأكمله، وما يجري على «أرامكو» يجري على كل سكان المملكة، وثقتنا كبيرة جداً في الحكومة السعودية بأنها ستحمي هذه الشركة من كل المخاطر التشغيلية والمالية والجيوسياسية، لأن العالم كله يعتمد على العشرة مليون برميل التي تنتجها الشركة يومياً.
ولكن هذا لا يمنع أن ننظر في المخاطر التي طرحها الإعلام الغربي، لننظر فيما هو حقيقي منها وما هو غير حقيقي. ولا يوجد مقال يلخص هذه المخاطر أفضل من مقال مجلة «فوربس» الذي لخصها في عشرة نقاط لعدم الاكتتاب في الشركة، كالتالي:
مخاطر جيوسياسية: لعل هذه المخاطر هي الأهم بعد سلسلة الاعتداءات الأخيرة على منشآت النفط السعودية، التي كان آخرها الاعتداء على معامل خريص وأبقيق الذي أدت لتوقف نصف إنتاج المملكة. إن هذه المخاطر ليست مرتبطة بـ«أرامكو» وحسب، بل بمصير العالم ككل. وإذا سمح العالم بمثل هذه الاعتداءات، فهذا يعني فراغاً قوياً ورغبة العالم في رؤية أسعار الطاقة تقفز لمستويات جنونية. إن هذه المخاطر تمس كل حقول النفط في العالم، وليس «أرامكو»، ورأينا كيف أن ليبيا ونيجيريا عانتا من الاعتداءات على حقولها، ورأى العالم آبار النفط الكويتية في عام 1990 وهي تحترق. ولكن كيف تعاملت السعودية مع هذه المخاطر؟ لجأت المملكة للحكمة، ولم تصعد الموقف عسكرياً، وعالجته سياسياً، وتمكنت في زمن قياسي من إعادة كامل إنتاجها، وباعت النفط لزبائنها من مخزوناتها، ولم تتأثر الأسعار، كما كان الكل يتوقع، إلا بشكل طفيف جداً.
توقف النمو: يقول المقال إن «أرامكو» وصلت إلى ذروة نموها، ولن تستطيع إنتاج أكثر من 10 ملايين برميل يومياً. ثم خلط الكاتب الأمور عندما أوضح أن على «أرامكو» الاستدانة حتى تسدد للمساهمين حقوقهم هذا العام، نظراً لتراجع نمو السيولة النقدية فيها. إن ما لا ينظر إليه الكاتب هو أن «أرامكو» تنمو بشكل كبير في قطاع المصب، وتوسع من طاقتها التكريرية وأعمال الغاز والمجالات الأخرى، مثل الكيماويات. ومستقبل النمو الحقيقي هو في قطاع الكيماويات. وقد قالت شركة «برينستين» للأبحاث، الأسبوع الماضي، إن قطاع المصب سيقود نمو «أرامكو» خلال السنوات العشر المقبلة. وقد رأينا استحوذات كبيرة لـ«أرامكو» وشراكات تكريرية ضخمة في الهند والصين وماليزيا وإندونيسيا، كما تمتلك «أرامكو» أكبر مصفاة في أميركا. نعم، هناك انتقاد كبير لربحية شركات «أرامكو» في هذا القطاع، مثل صدارة وبترورابغ، ولكن هذا الأمر سيعالجه الاكتتاب، عندما يصبح على الشركة تفسير تراجع نمو هذا القطاع، والبحث عن حلول له.
عدم الاستقلالية في القرار: إن ما ينظر له الكاتب على أنه ضعف في حوكمة الشركة لهو في الحقيقة مصدر قوتها. إن قرار «أرامكو» يأتي من أعلى سلطة في المملكة، وهذا ما جعل قرارات «أوبك» فاعلة، وتحركات المملكة في صالح السوق العالمية. وفي الولايات المتحدة، يوجد مئات الشركات النفطية التي تعمل بمعزل عن القرار السياسي، والنتيجة طفرة في النفط الصخري أدت لهبوط الأسعار وتدمير ذاتي للقطاع. إن المملكة لا تأخذ قرار «أرامكو» من دون مراعاة مصالح المستهلكين، وهذا أصل ثابت في السياسية البترولية السعودية.
تقييم الشركة: يرى الكاتب أن تقييم السعودية لـ«أرامكو» عند 2 تريليون دولار كبير وغير مشجع للدخول في اكتتاب الشركة. إن تقييم الشركة يخضع لعوامل كثيرة، وحتى المصارف العالمية قيمت الحد الأعلى لأرامكو بأعلى من 2 تريليون (عند 2.5 تريليون دولار) مع تذبذب في الحد الأدنى. ونشرت «بلومبرغ» أن متوسط تقييم 16 بنكاً عالمياً كان عند 1.75 تريليون دولار. هذه بداية غير سيئة، ولا تبعد كثيراً عن نظرة الحكومة للتقييم.
وجود بدائل كثيرة: نقطة غير مفهومة، حيث تم استعراض عدم أهمية طرح شركات النفط الوطنية الأخرى في العالم، وكيف أنها تعاني من الفساد. تاريخياً، لم تواجه «أرامكو» قضايا فساد كبيرة، ولم تواجه محاكمات خارج المملكة بسبب هذا الأمر.
سوء التعامل مع رأس المال: نقطة غير مفهومة، حيث وصف الكاتب حملات مكافحة الفساد بأنها تهديد لرجال الأعمال والأموال الأجنبية. ولكن الكاتب نسى أن هناك كبار الصناديق العالمية والمستثمرين من الخارج الذين يمتلكون أسهماً في شركات كبرى مساهمة، مثل «سابك»، ولم نر أي تعرض لهم من قبل السلطات.
تنامي قوة شركات النفط الصخري الأميركي: تناقض كبير للكاتب الذي يدعو لعدم الاستثمار في الشركات النفطية، ثم يعود للتشجيع على الاستثمار في شركات النفط الصخري. وهنا، يبدو واضحاً أن الكاتب الذي يعيش في تكساس يهدف لدعم اقتصاد تكساس.
ضعف حقوق الإنسان: لا أعلم ما علاقة شراء أسهم شركة «أرامكو» بتطورات حقوق الإنسان في المملكة؟!
السلطة المطلقة: ربط غير منطقي، لأن السلطة المطلقة لا علاقة لها باتخاذ القرار على مستوى «أرامكو»؛ كل سياسات المملكة تتم بالتنسيق مع شركائها في «أوبك»، مع مراعاة وجهة نظر المستهلكين.
نهاية عصر النفط: نسمع كثيراً عن نهاية عصر النفط! والأسبوع الماضي، قالت وكالة الطاقة الدولية إن الطلب على النفط سيصل إلى الذروة في 2030، وبعدها سيبدأ الطلب في النمو بشكل محدود في حدود 100 ألف برميل يومياً. إن أمامنا ما يقارب عشرين عاماً سينمو خلالها النفط، وبعد ذلك لن ينتهي الطلب عليه، ولكنه سينمو بصورة أقل، وسيظل العالم يستهلك 105 ملايين برميل يومياً بعد 2030 لعقود. ومواصلة «أرامكو» عملها هو السبيل الوحيد لتلبية هذا الطلب حينها.
وائل مهدي - الشرق الأوسط
16/11/2019 07:24 pm 1,847